اهم المقالات

رجل مع حقائب الاموال : السفير القطري الذي يقرر لنا أولوياتنا في اسرائيل



 ترجمة معاوية موسى - معاريف - جاكي خوري

في الوقت الذي ننشغل فيه بالتهديد الإيراني ونركز جهودنا عليه ؛ وصل إلى هنا من مسافات بعيدة ؛ بهدوء وادب شخص واحد ؛  قرر لنا أولوياتنا للسنوات القادمة - ثم عاد إلى بلاده . لقد حان الوقت أن نعرف بشكل أفضل المبعوث القطري محمد العمادي . لم يعد يدور الحديث منذ بعض الوقت عن مبعوث فقط إنما عن شخص يتمتع بتأثير كبير للغاية على قادتنا . العمادي هو ممثل وزارة الخارجية القطرية ؛الدولة  التي لا تقيم علاقات رسمية مع اسرائيل  ؛ لكن نفوذه علينا اكبر بكثير من  ممثلي الدول التي تتواجد سفاراتها في اسرائيل . 

مع انتهاء جولة القتال في غزة في نهايات شهر ايار ، وقعت على مسامعه اخبار سيئة . فقد قررت حكومة اسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو معاقبة حماس ووضع حد لاتفاق الدولارات الذي جرى التوصل اليه قبل ثلاث سنوات . تبنت حكومة بينت الفكرة ورفضت السماح بادخال الاموال . هذا المبلغ الذي يدخل شهريا قطاع غزة يساهم في استقرار الاوضاع الاقتصادية في القطاع ، ويعتبر بمثابة الاكسجين  الذي يتنفسه السكان . كان  العمادي ومبعوثيه متخوفون جدا . سياساتهم بشان تقديم الدعم لاقتصاد حماس اصبحت مهددة . ايضا قادة حماس اصابهم القلق . قنوات الاموال النقدية جرى تجفيفها وبدات تبرز في الشارع علامات المحنة .

لكن العمادي لم يفقد اعصابه  .  طلب من قادة حماس ان يمنحوه القليل من الوقت حتى ينزل الاسرائيليين عن الشجرة  . في نفس الوقت طلب منهم عدم تصعيد التوتر على الارض . حماس منحته ثقتها هذه المرة ، وعلى الرغم من انهم كانوا يرغبون  بقوة بالرد على اسرائيل بالنار ، الا انهم  كظموا غضبهم وانتظروا . بدا العمادي من فندقه في القدس حملة من الضغط والاقناع لا تقل كفاءة عن تلك التي يقودها كبار الدبلوماسيين والوسطاء المتمرسين . قبل عشرة ايام عاد من رام الله وهو يلوح امام الجميع بوثيقة التفاهمات امام اعين الجميع . وهو اتفاق موقع لاستئناف التحويلات المالية القطرية الداعمة لقطاع غزة عبر السلطة الفلسطينية . 

ما قام به العمادي ببساطة كان تغيير القناة . في السابق كانت هذه القناة هي الاسرائيليين ، الان حولها الى ابو مازن . من الان لن تكون هناك اي ضرورة للشنط وبما ان السلطة هي صاحبة السيادة الرسمية في القطاع ، فان الاتفاق اصبح مشروعا على العكس من الاتفاق السابق .اذا جرى تنفيذ هذه الخطوات بالفعل خلال الفترة القريبة القادمة فان الاموال ستصل الى بنك يعمل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ومن ثم يجري توزيعها على المستفيدين . ستجري عملية سحب الاموال عبر بطاقة ممغنطة سيتم اصدارها لكل واحد منهم . المستفيدين كانوا ولا زالوا فئتين .  وسيعود 27 الف موظف في حكومة الى استلام مرتباتهم من جديد . 

سيحصل ايضا مئة الف محتاج على 100 دولار شهريا  . السلطة الفلسطينية ستقوم بتركيب القائمة الجديدة للمئة الف محتاج التي ستستبدل القائمة السابقة التي وضعتها حماس . وقع على هذه الاتفاقية الجديدة العمادي مع ممثل ابو مازن الدكتور احمد المجدلاني .

الامر المثير للدهشة ان المؤسسة الامنية الاسرائيلية تؤيد الاتفاق الجديد ، لانها تعتبر ان الدولارات القطرية تؤمن لها الهدوء . لكننا في هذا الاتفاق كما في سابقه وضعنا المبادرة بين يدي اخرين . تعرف اسرائيل كف تمطر غزة بالنار وتدمرها لكنها لا تعرف كيف تاخذ المبادرة بين يديها وتقوم بحل مشكلتها بنفسها . تقوم اسرائيل بابقاء المهمة في معظم الحالات  في يد الاوغاد الكبار، الشركاء في الجريمة   ، الذين يعرفون نقاط ضعفها ويقوموا باستغلالها .

هكذا خلق السنوار واقعا جديدا لاسرائيل في غزة ، وهكذا يساعد بيديه ، عبر التحكم عن بعد القصر القطري . هذا ما حصل في الاشهر الاخيرة منذ نهاية جولة القتال الاخيرة .فقد رفضت اسرائيل ان تمسك بزمام الامور وسمحت لاخرين باتخاذ قرارات استراتيجية نيابة عنها . بعد كل شئ العمادي ليس من محبي صهيون فقد ارسلته الى هنا حكومته لتنفيذ سياساتها في احتضان  حماس .

 اسرائيل ليست طرفا 

قبل توقيع الاتفاق الجديد مع السلطة ، قدم اقتراح اخر لاستئناف ادخال الاموال القطرية . تقول هذه الصيغة ان القطريين سيحولون الدفعة الشهرية للامم المتحدة  وهي ستتولى عملية التوزيع لمئة الف مستفيد وفق قائمة تقوم هي باعدادها . عملية توزيع ومراقبة الاموال ستتم من خلال وكالات الامم المتحدة العاملة في قطاع غزة . يضمن هذا الاقتراح وصول الاموال للمستحقين (الفقراء والمحتاجين ) وليس لمن تريده حماس . لكن المبعوث القطري رفض الاقتراح لانها تخرج من بين يديه السيطرة على المال .


بدلا ان تشك اسرائيل  بنواياه وتقول له : قل شكرا اننا نسمح لك بالبحث في مواضيع ليست من اختصاصك - قامت بالاستسلام بدون قتال . ابتسم العمادي في داخله واسرع الى رام الله . خلال اسبوعين عاد من هناك مع اتفاق موقع ولوح به امام عيون الجميع : اتفاق بين دولة فلسطين من جهة ووزارة الخارجية القطرية من الجهة الاخرى . تلقت حماس الخبر بمشاعر مختلطة . من جانب يضمن الاتفاق تدفق الاموال من جديد . من الجانب الاخر  يشعرون بالقلق من احتمال سيطرة خصمهم اللدود على المنحة الكبيرة .

لهذا السبب بالذات ترى اسرائيل بهذا الاتفاق تطورا ايجابيا . اذا كانت السلطة هي الجهة التي تتولى التنكيل بحماس اذا ما السئ بذلك . والسنوار سيدفع ثمن عجرفته على قيامه باطلاق النار على القدس في 10 ايار الماضي . لكن للاسف الشديد اسرائيل ليست طرفا في هذا الاتفاق الجديد ولهذا ليس لها سيطرة عليه . والاطراف ليست ملزمة  حتى بسؤالها  اذا كان الاتفاق مرضيا لها . 

من هذه الناحية فان اتفاقية الشنط كانت افضل ، صحيح انه اتفاق مافياوي لكن  كانت اسرائيل تتمتع  بحق النقض في اي لحظة ، على سبيل عندما كانت تريد ممارسة الضغوط على حماس . علاوة على ذلك : حماس حصلت على الجائزة من دون ان تدفعهم اسرائيل ثمنا كبيرا باستثناء الاشهر الثلاث التي توقفت فيها الدفعات .

المشكلة الثانية هي ان محمد العمادي رجل اعمال من دولة تحمل نوايا خفية يتجول هنا حاملا شنطا من المال ويقرر الاولويات الاقتصادية ، الامنية والسياسية لملايين السكان من طرفي الجدار .  عندما يريد الهدوء من  السنوار يفعل وعندما يريد  التصعيد منه  يفعل . تقذفه خارج الباب يدخل من الشباك . لا تقوم اسرائيل بالتضييق عليه بل بالعكس تقوم باستقباله منذ سنوات في مكاتب كبار المسؤولين وتسمح له بالتلاعب بها كما يحلو له 

كل ذلك مقابل بضع عشرات من الملايين شهريا . وهو مبلغ صغير جدا لدولة . هذا الاسبوع بعد ان نشرت بنود الاتفاق في راديو الجيش الاسرائيلي ، سارع مسؤولون امنيون للتقليل من اهميته . وفي الوقت الذي كان المسؤولون من الطرفين  يمسكون  بمذكرة التفاهمات . قالوا في تل ابيب انه لم يتم التوصل بعد لاتفاق نهائي . هناك  احتمالان لتفسير ذلك : اما انهم يخشون من ردة الفعل الشعبية ويريدون كسب مزيدا من الوقت او انهم لا يعرفون عن الاتفاق الموقع نهائيا ولم يسالهم احد موافقتهم . في كلا الحالتين رفضت اسرائيل اخذ زمام المبادرة وسمحت للاخرين بجرها من انفها .


( معاويه موسى)


ليست هناك تعليقات